واشنطن -PNN- في إنجاز طبي لافت، تمكن فريق من العلماء الأميركيين من تحديد الجين المسؤول عن العيوب القلبية الخَلقية لدى الأطفال المصابين بمتلازمة داون، في خطوة قد تمهّد لعلاجات وقائية مستقبلية تمنع هذه التشوهات قبل الولادة.
الدراسة التي أجراها باحثون من معاهد غلادستون في الولايات المتحدة ونُشرت في مجلة نيتشر، كشفت أن جينًا يُعرف باسم HMGN1 يلعب دورًا مباشرًا في تعطيل عملية تنظيم الحمض النووي داخل الخلايا، مما يؤدي إلى اضطراب في نمو القلب أثناء التكوين الجنيني.
وأظهرت التجارب على الفئران أن إزالة النسخة الإضافية من هذا الجين منحت الحيوانات نموًا قلبيًا طبيعيًا، وهو ما اعتُبر دليلًا واضحًا على دوره الحاسم في تطور العيوب القلبية.
ويُعد هذا الكشف ثمرة عقود من البحث، إذ ظل العلماء يعلمون أن وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21 - السبب الجيني المعروف لمتلازمة داون - يؤدي إلى هذه العيوب، لكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من تحديد الجينات المسؤولة تحديدًا.
ويعاني نحو 50% من الأطفال المصابين بمتلازمة داون من عيوب خلقية في القلب، تزيد احتمالات الإصابة بها بين هؤلاء الأطفال بما يتراوح بين 40 و50 مرة مقارنة بغيرهم.
استخدم الفريق البحثي مزيجًا من الخلايا الجذعية البشرية وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد الجينات الأكثر تأثيرًا في الخلايا القلبية.
كما استعانوا بتقنية التحرير الجيني كريسبر (CRISPR) لتفعيل الجينات على الكروموسوم 21 واحدًا تلو الآخر في خلايا سليمة، حتى توصّلوا إلى أن الجين HMGN1 هو الذي يسبب الخلل البنيوي في خلايا القلب.
وقال الدكتور ديباك سريفاستافا، طبيب قلب الأطفال ورئيس مركز غلادستون للأبحاث، إن هذه النتائج "تفتح بابًا جديدًا أمام الطب الوقائي في علاج متلازمة داون"، مضيفًا أن الخطوة المقبلة هي اختبار ما إذا كان الحد من نشاط هذا الجين - وربما جينات أخرى مثل DYRK1 - يمكن أن يمنع ظهور هذه العيوب لدى الأجنة، وربما من خلال علاج يُعطى للأم أثناء الحمل.
كما استعان العلماء بخلايا مأخوذة من أشخاص يعانون من متلازمة داون الفسيفسائية، وهي حالة نادرة تحتوي فيها بعض خلايا الجسم على ثلاث نسخ من الكروموسوم 21 وأخرى على نسختين طبيعيتين.
وقد أظهرت التحاليل اختلافًا جوهريًا بين خلايا القلب السليمة وتلك الحاملة للنسخة الزائدة، ما ساعد على تحديد دور الجينات بدقة أكبر.
ويرى الباحثون أن هذا الاكتشاف لا يقتصر على متلازمة داون فحسب، بل قد يسهم أيضًا في فهم آليات تطور العيوب القلبية الوراثية لدى الأطفال الآخرين، ويمهّد الطريق لتطوير علاجات جينية تستهدف السبب الجزيئي للمرض بدلًا من معالجة أعراضه فقط.