أنا لستُ قاتلًا،
لكنهم أطفؤوا اسمي بين أفخاذ الحديد،
سحقوني... ليس بجدارٍ، بل بجسدٍ مُدجَّجٍ بالخطيئة.
في سجن "سدي تيمان"،
لم أكن رقمًا،
كنتُ تجريبًا حيًّا لفشل الحضارة،
كنتُ المعادلة التي تنهار فيها القيم،
حين تصبح السلطةُ وحشًا،
يتلذّذُ بالنهش البطيء،
لا ليقتل... بل ليتركك حيًّا بما يكفي لتتمنّى الموت.
لم يصرخوا،
صرختُ وحدي،
من خلفي لا من فمي.
صرختي كانت صمتًا،
خشيتُ أن يسمعني الله فيرتبك.
أنا الآن:
كائنٌ يشبه الرماد،
يتنفس على استحياء،
يتذكّر على استحياء،
يحاول أن يُصلح مرايا الروح،
لكن كل ما فيها مكسور.
في الليل،
تزحف الكوابيس من سرة الجدار،
تتمدد على ضلوعي،
تهمس: "لن تكون كما كنت"،
وأصدّق.
ما حدث لي،
أسوأ من الإبادة بالقنابل،
أسوأ من القتل،
لأنّك حين تُقتَل... تمضي،
لكن حين يُغتصب جوهرك،
تعيش بجثةٍ لا تعرفها.
لم اكن انثى،
لكنهم اقتربوا مني كأنني هدف،
لا جسد،
كأنهم يختبرون كم يمكن أن يصمت رجل
حين يقتلع من رجولته.
قالوا لي:
لن يصدقك أحد
وصدقتهم
فمن يصدق رجلا وهو ممدد كالخرقة على أرض باردة،
في غرفة بلا كاميرات؟
انا الان خارج الزنزانة،
لكنني لست خارج الاسر،
امشي في الطرقات،
بوجهي،
لكنني لست فيه
الاحتلال ليس دبابة،
الاحتلال ليس مستوطنة،
الاحتلال هو لحظةٌ
يُمسكك فيها جنديٌّ باسم الربّ
ليخترقك باسم الدولة،
وتبقى هناك،
في ظلامٍ بلا نهاية،
تفكّر:
هل أنا إنسان؟
هل الله يرانا؟
هل الأرض جديرةٌ بأن نحيا فوقها؟
أم أنّها تحتضن ساقطي الأخلاق دون أن ترجف؟
أيتها الإنسانية،
هل ترين؟
أم أنّ عينيكِ معصوبتان بقرارات الأمم؟
هذا ليس فيلما فقط،
بل حقيقة تروض في الخفاء،
جريمة لا تجد من يتعاطف،
لان الضحية لا تملك الصراخ،
صوته كان عارا،
فظل يحمله داخله،
كقنبلة لم تنفجر.
أنا الآن ظلٌّ...
أبحث عني،
في ظلال الأشجار،
في حجارة الذاكرة،
في حلمٍ لم يُغتصب بعد...