رام الله / PNN - أوصى مؤخراً وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس الشرقية، معتبراً أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل من على منبر الأمم المتحدة تُعد تحديًا لإسرائيل وتهديدًا لمصالحها وأمنها، ولم يقف الأمر بساعر عند هذا الحد، فقد أصدر قراراً بسحب تأشيرات الدخول والإقامة للدبلوماسيين الأستراليين العاملين في رام الله، متجاهلاً في هذا الإطار أنه حسب القانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، فإن الدول الأوروبية وأستراليا مطالَبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.
ويرى كُتّاب ومحللون أن مثل هذه التوصيات أو القرارات، في حال اعتمادها، تتجاوز الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول، ومؤشر واضح كذلك إلى تصاعد التوتر الدبلوماسي بين إسرائيل والدول التي اعترفت بدولة فلسطين أو تعتزم الاعتراف بها في أيلول المقبل.
واعتبروا أن "إسرائيل دخلت في نفق مظلم لا نهاية له جراء حرب نتنياهو البربرية على غزة التي لا يريد لها أن تنتهي، والتي أدت بسبب جرائم الإبادة والفظائع والتجويع المرتكبة بحق الأبرياء إلى انقلاب في صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي، خصوصاً في الدول الغربية التي لا تستطيع تجاهل أصوات شعوبها، وتحسب حساب صناديق الاقتراع والتغيرات الديمغرافية".
تجاهل القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة
ذكر الكاتب والمحلل المختص في الشان الإسرائيلي د. علي الأعور أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أوصى بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس الشرقية، لأنها تتحدى إسرائيل وتعمل ضد مصالحها في الشرق الأوسط.
وأضاف الأعور: إن جدعون ساعر اعتبر أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل من على منبر الأمم المتحدة تُعد تحديًا لإسرائيل وتهديدًا لمصالحها وأمنها.
وتابع: يبدو أن جدعون ساعر قد نسي أن فرنسا كان لها دور كبير في قيام إسرائيل وبنائها، وكذلك في نقل المفاعل النووي إلى ديمونة، إذ إن شمعون بيريس هو الذي تمكن من بناء هذا المفاعل بفضل علاقاته القوية مع فرنسا.
وأشار الأعور إلى أن "فرنسا قد ساهمت بدور كبير في الاعتراف بإسرائيل ووجودها، وساعدت في تمكينها، خصوصًا من خلال المفاعل النووي في ديمونة الذي أسهمت فيه فرنسا والحكومة الفرنسية بشكل كبير جدًا، ومن ثم منح هذا المفاعل إسرائيل قوة أمنية وسلاح ردع استراتيجي".
وأضاف الأعور: إن جدعون ساعر يتجاهل القانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، إذ إن الدول الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي مطالَبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.
تصريحات ساعر بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية
ويرى الأعور أن ساعر في هذه الخطوة يواجه تحديًا كبيرًا مع الحكومة الفرنسية وقرار الرئيس ماكرون، وهو ما سيضر بالتأكيد بالمصالح الفرنسية– الإسرائيلية، وكذلك بمصالح إسرائيل في فرنسا، حيث توجد جالية يهودية كبيرة جدًا.
وقال: "إن توصية ساعر، التي نُشرت عبر صحيفة إسرائيلية، لن تلقى ترحيبًا داخل الحكومة الإسرائيلية، على الأقل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يدرك جيدًا أهمية فرنسا ودورها في الحفاظ على أمن إسرائيل".
وأكد الأعور أن "ساعر يتجاوز الخطوط الحمراء في العلاقات الدولية والإقليمية بين إسرائيل ودول العالم، خصوصاً تجاه فرنسا ورئيسها ماكرون، الذي كان من أوائل الداعمين لإسرائيل خلال الحرب على غزة، بل وشارك ضباط فرنسيون في تلك الحرب. ومع ذلك، يبدو أن تصريحات ساعر بعيدة كل البعد عن الدبلوماسية".
وذكر الأعور أن "القنصلية الفرنسية كانت موجودة في القدس الشرقية قبل قيام إسرائيل أصلًا، وبالتالي يتجاهل ساعر التاريخ والحقائق ودور فرنسا في قيام إسرائيل، ويطلق تصريحات وتوصيات من شأنها الإضرار بالعلاقات الفرنسية– الإسرائيلية".
سحب تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين
أما فيما يتعلق بسحب تأشيرات الدبلوماسيين الأستراليين في رام الله، فقال الأعور: إن هذا القرار، في حال اعتماده، يتجاوز الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول.
فقد قرر ساعر سحب تأشيرات الدخول والإقامة للدبلوماسيين الأستراليين العاملين في رام الله.
ويرى الأعور أن تصريحات ساعر وقرارات الحكومة الإسرائيلية، إذا ما نُفذت، ستلحق ضررًا بالعلاقات الإسرائيلية– الأسترالية، خصوصًا أن هناك جالية يهودية كبيرة أيضًا في أستراليا. وبذلك يتضح أن ساعر يتجاوز مرة أخرى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدبلوماسية بين الدول.
الخلاف مع إسرائيل سيتفاقم خلال الفترة المقبلة
وقال المختص في الشؤون الأوروبية في الحامعة العربية الأمريكية د. أمجد أبو العز: "إن هذا أمر متوقع، إذ يعتقد أن الخلاف بين أستراليا وإسرائيل، أو حتى بين أوروبا وإسرائيل، سيتفاقم خلال الفترة المقبلة لعدة أسباب".
وأضاف أبو العز: "إن أول هذه الأسباب التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين فيما يتعلق بالتهجير والإبادة الجماعية والاحتلال والتجويع"، فهذه السياسات، برأي أبو العز، وضعت الدول الأوروبية وأستراليا في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، باعتبار أن أستراليا من الدول التي تدافع دائمًا عن القانون الدولي، وتُعد من أبرز الدول الملتزمة بقراراته وسياساته، بل وتعتبر نفسها معقلًا لهذا القانون.
وأضاف: "لذلك، كان متوقعًا أن تفرض عقوبات على إسرائيل من أجل كبح جماح سياساتها، خاصة مع اقتراب المؤتمر المقبل للتحضير لحل الدولتين، الذي تحاول إسرائيل مواجهته بالترهيب ومنع هذه الدول من الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومعاقبتها على مواقفها".
إجراءات عقابية تدريجية خلال الأشهر الماضية
ويرى أبو العز أن "الأشهر الماضية شهدت سلسلة من الإجراءات العقابية التدريجية، سواء من قبل الاتحاد الأوروبي أو من قبل بعض الدول مثل سلوفينيا وهولندا، وذلك من خلال منع دخول شخصيات إسرائيلية متطرفة مثل سموتريتش وبن غفير".
وقال: "إن هذه التطورات فتحت الباب أمام مزيد من التدهور في العلاقات الدولية مع إسرائيل، ودفعتها نحو عزلة دولية متزايدة إذا استمرت في هذه السياسات".
صراع بين سرديات دينية مغلفة بأهداف سياسية والقانون الدولي
وأضاف: إن هناك أيضًا صراعًا قائمًا بين سرديات دينية توراتية مغلفة بأهداف سياسية، وبين القانون الدولي والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع الدولي، خصوصاً مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية ومنع الإبادة الجماعية كما حدث في الماضي.
وأشار أبو العز إلى أن هذه التصريحات والسياسات تتعارض بشكل مباشر مع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، ومع مبدأ حل الدولتين الذي تنادي به الدول منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وتابع: "وبالتالي، فإن الصمت الأوروبي أو الغربي عن هذه السياسات يعني وضعهم في موقف محرج أمام شعوبهم وأمام المجتمع الدولي، بل ويفقدهم مصداقيتهم القانونية. فإذا التزمت هذه الدول الصمت، فلن تتمكن من الدفاع عن أو الترويج للقوانين والقرارات الصادرة عن مؤسسات مثل محكمة الجنايات الدولية أو محكمة العدل الدولية أو غيرها من مؤسسات القانون الدولي".
وخلص أبو العز إلى أن "هذا الصدام في جوهره هو نتيجة سعي الدول الأوروبية والغرب للحفاظ على القيم والمبادئ التي أسسوا عليها النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية".
تصاعد التوتر الدبلوماسي
من جهته، اعتبر المختص بالشؤون الفرنسية د.أمجد شهاب أن التوصية بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس الشرقية بأنه مؤشر واضح على تصاعد التوتر الدبلوماسي بين إسرائيل والدول الغربية، خصوصاً فرنسا، والتهديد أولًا بإلغاء تأشيرات دبلوماسية وإغلاق مقر القنصلية رداً على نية بعض الدول الغربية مثل: أستراليا وكندا وبريطانيا وفرنسا.
وأشار إلى أن "هذه الخطوة سبقها بعض الإجراءات، حين ألغت إسرائيل في نيسان عام ٢٠٢٥ تأشيرات ٢٧ نائبًا برلمانيّاً ومسؤلاً فرنسياً كانوا يرغبون بزيارة الأراضي الفلسطينية كمتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ووصفته فرنسا آنذاك بأنه إجراء غير مقبول ويتحدى المنظومة الديمقراطية الغربية تحت مبرر رفض إسرائيل الخطوة الفرنسية".
ولفت شهاب إلى أن التهديد بإغلاق القنصلية الفرنسية يأتي ضمن تصريحات وتوصيات قيادات اليمين المتطرف الديني والقومي لنتنياهو بالقيام بتلك الخطوة، أمثال وزراء القشاء والمالية والخارجية، متوقعاً أن يؤدي ذلك إلى توتر كبير بين إسرائيل والدول الغربية التي تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وتطرق د. شهاب إلى أهم الدلالات للخطوة الإسرائيلية، التي ترغب في إرسال رسالة واضحة للدول التي تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مفادها أن هذه الاراضي هي ملك لإسرائيل "وهبة من الرب" حسب معتقداتهم، وأن هناك ثمناً سياسياً سيُدفع لمن يعارض طموحات إسرائيل السياسية والأيدلوجية والدينية.. إلخ".
محاولة ابتزاز إسرائيلية
وشدد على أن اعتراف الدول الغربية بدولة فلسطين المحتلة سينعكس سلباً على علاقاتها مع الاحتلال.
وأوضح شهاب أن إسرائيل تبتز الدول الغربية في عدة مجالات، خصوصاً مجال التعاون الأمني والعلاقات التقنية التي تحتاجها الدول الغربية في الشرق الأوسط.
وقال: "رغم أن الخطوات الإسرائيلية مؤثرة أو تهدد بتجميد علاقات دبلوماسية وربما تعطل التعاون الأمني مع الدول الغربية التي تنوي الاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية، فإن ذلك سيؤدي إلى انقسام غربي أكبر ومزيد من الضغوطات على إسرائيل التي ستختبر قوتها الدبلوماسية ومجموعات الضغط "اللوبيات" لمحاولة إحباط تأثير هذه الخطوات وحشد دول، مثل: ألمانيا وإيطاليا اللتين ترفضان حتى الآن تبني الموقف الفرنسي وربما البريطاني.
وأكد د. شهاب في ختام حديثه لـ"ے" أنه "في حال أصرت الدول الغربية على الاستمرار بخطوات متقدمة من الانتقال من رمزية الاعتراف إلى خطوات عملية، كاتخاذ إجراءات جدية ضد إسرائيل، وهذا برأيي مستبعد للأسف حتى الآن رغم بشاعة الجرائم التي ارتُكبت في غزة، فإن المشهد سيكون مختلفاً تماماً".
إسرائيل خسرت حرب "اللوغاريتميات"
بدوره، يرى المحلل السياسي الأردني أسامة الشريف أن "إسرائيل دخلت في نفق مظلم لا نهاية له جراء حرب نتنياهو البربرية على غزة التي لا يريد لها أن تنتهي".
واعتبر الشريف أن "الفظائع وجرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال أدت إلى انقلاب في صورة إسرائيل لدى الرأي العام في العالم، خصوصاً الدول الغربية التي تحسب حساب صناديق الاقتراع والتغيرات الديمغرافية".
وقال: إن إسرائيل خسرت حرب "اللوغاريتميات" حيث تشوهت صورتها وانهارت سرديتها، موضحاً أن "عنجهية اليمين المتطرف تمثلت في تحدي دول العالم والمحاكم الدولية وقضاتها، بحيث كان رد الفعل في الإمعان في قتل المدنيين وتجويعهم وتعذيب الأسرى في سجون الاحتلال، وإطلاق يد المستوطنين في الضفة المحتلة، والتهديد بحل السلطة، وضم الضفة الغربية.
إسرائيل تعاني من عزلة سياسية غير مسبوقة
وأشار الشريف إلى أن إسرائيل تعاني من عزلة سياسية غير مسبوقة، ولولا الدعم الأمريكي المالي والعسكري والسياسي لانهارت إسرائيل من الداخل.
ويرى أن "التهديد بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، وسحب تأشيرات الدبلوماسيين، وغير ذلك من ردود الأفعال الصبيانية والمتهورة، لن يفيد إسرائيل في شيء، بل سيزيد من عزلتها ومن تعميق العداء لها في أنحاء العالم، بل وسيزيد من ضغط الرأي العام لفرض عقوبات دولية على اسرائيل.
واوضح الشريف ان نتنياهو يعيش حالة من الزهو والوهم معا بعد أن تغيرت الأجواء الجيوسياسية في الإقليم لصالح اسرائيل. وهو الآن يتحدث عن مهمة روحانية لتحقيق اسرائيل الكبرى. هذا الكلام له أصداء في المنطقة وينهي فرضية التعايش السلمي مع هذا الكيان.
واكد الشريف ان هذه العزلة تعيد احياء عقدة مسادا، عقلية التحصن والانتحار الجماعي، ما يجعل هذه اللحظة الأخطر في تاريخ المنطقة منذ انشاء الكيان الغاصب.
خطوات إسرائيلية "عقابية"
الباحث في العلاقات الدولية د. طارق زياد وهبي قال: إن إسرائيل منذ الاعتراف الشعبي والدولي بأحقية العمل الفلسطيني بدأت بخطوات تعتبرها عقابية لكل هذه الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير ثم بالسلطة الفلسطينية.
وأشار إلى أن إسرائيل، وبالتحديد في فترات حكم حزب الليكود، كانت تنظم عدة خطوات دبلوماسية أو حتى تصفيات جسدية أو تهديدات.
وقال وهبي: "الآن نتنياهو يفتح حسابات مباشرة وغير دبلوماسية مع كل الدول التي أرادت أن تمهد لحل الدولتين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية".
واعتبر وهبي أن كل ما تقوم به إسرائيل لا يشكل ضعفاً سياسياً بل يشكل تخطياً للقواعد الدبلوماسية، خصوصاً أن كل ما يخطط إليه من قبل الدول يبقى في خانة رمزية لطالما لا توجد خطة واضحة للوصول إلى حل الدولتين.
وأكد أن الأخطر في الموضوع هو فائض القوة العسكرية والاستخبارية التي تملكها إسرائيل وتدعمها الولايات المتحدة الأمريكية دون وضع خط أحمر يجب عدم تجاوزه.
وتابع: "كل ما تقوم به الحكومة الحالية الإسرائيلية سيرتد عليها بما يسمى المعاملة بالمثل، وهنا ستكون إسرائيل في عزلة مع دول ساعدت دائماً إسرائيل في عدة مجالات اقتصادية أو حتى عسكرية، كفرنسا مثلاً".
ردود الفعل الإسرائيلية تعتمد على الدعم الأمريكي
ويرى وهبي أن ردة الفعل الإسرائيلية ليست بالانتحارية بالمستوى الدبلوماسي، لكنها تعتمد على الدعم الأمريكي لكل هذه الإجراءات.
وأوضح وهبي أن التطرف ليس فقط سياسياً لدى الحكومة الإسرائيلية، بل في كل الخطوات التي تعتبرها من الشؤون الأمنية القومية ولا يمكن التساهل بها، وهي أيضاً تحرض أمريكا، ومثال ذلك ما قام به وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بتوقيع وقف وجود قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني (يونيفيل)، كل ذلك يُظهر عدم جدية الطرف الإسرائيلي في ما يخص المفاوضات للوصول إلى حل الدولتين.
المصدر / جريدة القدس