رام الله /PNN /ناقش برنامج صوت الشباب في حلقته الثانية عبر شبكة وطن الإعلامية، قضية تراجع العمل التطوعي بين صفوف الشباب الفلسطيني، بمشاركة الناشطة الشبابية دانا صباح مديرة مشروع "تميّز" في منتدى شارك الشبابي، ومحمد الديك عضو المجلس الشبابي في بلدة كفر نعمة ونائب رئيس لجنة الطوارئ غرب رام الله، والدكتور غسان البرغوثي عميد شؤون الطلبة في جامعة بيرزيت.
ويشار الى أن التطوع كان تاريخيًا سلوكًا جمعيًا أصيلًا في المجتمع الفلسطيني، ورافعة للتكافل الاجتماعي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعًا مقلقًا في نسب المشاركة الشبابية، وسط تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة. فآخر إحصائية رسمية حول التطوع صدرت عام 2017 عن جهاز الإحصاء المركزي، بيّنت أن 13% فقط من الفلسطينيين فوق سن 15 عامًا شاركوا في نشاط تطوعي واحد على الأقل، وهو ما يعتبر مؤشرًا على "تآكل ثقافة التطوع التي كانت جزءًا من الهوية الوطنية".
دانا صباح: الشباب موجودون ولكن البيئة لا تحتضنهم
بدأت دانا صباح حديثها بالتأكيد على أن "التراجع في نسب المشاركة لا يعني غياب الرغبة لدى الشباب"، موضحة أن هناك "كمًا هائلًا من الطاقات والأفكار، لكن غياب التنظيم والاحتضان المؤسسي جعل الكثيرين يشعرون بالإحباط".
وقالت: "نحن نعمل في منتدى شارك مع مئات الشباب من مختلف المحافظات، والكل يؤكد أنه يريد أن يخدم مجتمعه، لكنهم بحاجة إلى فرص حقيقية وبيئة تحفزهم، لا أنظمة معقدة وبيروقراطية تُطفئ حماسهم منذ البداية."
وأضافت أن العمل التطوعي في فلسطين تأثر بالواقع الاقتصادي والسياسي الصعب، موضحة أن البطالة، وصعوبة الحركة بين المناطق، وتراجع الدعم للمؤسسات الشبابية "كلها عوامل جعلت التطوع بالنسبة لكثيرين رفاهية لا يقدرون عليها".
كما انتقدت دانا النظرة الضيقة لبعض المؤسسات التي تتعامل مع العمل التطوعي "كوسيلة لتلميع الصورة" وليس كمسؤولية اجتماعية: "في كثير من الأحيان نرى مبادرات تُنظَّم فقط لإصدار بيان صحفي أو منشور على الفيسبوك. هذا يقتل روح التطوع الحقيقية التي تقوم على الإيمان بالعمل لا على الترويج له."
وأكدت صباح أن الحل يبدأ من المدارس والجامعات عبر تعزيز ثقافة التطوع كقيمة تربوية لا كمهمة إلزامية: "حين نغرس في الجيل الجديد فكرة أن التطوع هو انتماء، وأن خدمة الناس هي مسؤولية، عندها سنخلق تحولًا حقيقيًا في وعي الشباب تجاه العمل المجتمعي."
ودعت إلى إنشاء برامج تطوعية مستدامة تتيح للشباب رؤية نتائج عملهم: "الشاب يحتاج أن يشعر أن جهده أحدث فرقًا، لا أن يُطلب منه أن ينفذ ثم يُنسى بعد انتهاء النشاط. الاستمرارية هي سر النجاح."
محمد الديك: التهميش أكبر عائق أمام الشباب
من جانبه، تحدث محمد الديك بواقعية ميدانية، معتبرًا أن "الشباب لا ينقصهم الشغف ولا العطاء، بل ينقصهم التقدير والمساحة".
وقال: "نحن نعمل في لجان الطوارئ والمبادرات المحلية منذ سنوات، وفي كل مرة نثبت أن الشباب قادرون على الإنجاز، لكن عند توزيع المسؤوليات، يُستبعدون لصالح الجيل الأكبر. هذا التهميش المستمر يجعل الكثيرين ينسحبون بهدوء."
وأوضح أن بعض المؤسسات تتعامل مع المتطوعين كـ"أيدي عاملة مجانية"، مضيفًا: "رأيت متطوعين يشتغلون شهورًا دون حتى كلمة شكر أو شهادة مشاركة. في المقابل، القائمون على المشروع يحصلون على تمويلات وظهور إعلامي. هذا خلل كبير يقتل روح المبادرة لدى الشباب."
وأشار الديك إلى أن المطلوب هو تأسيس إطار وطني منظم للتطوع يربط بين المؤسسات والمتطوعين: "لو كان لدينا بنك وطني للتطوع أو منصة مركزية تجمع بيانات الشباب الراغبين بالعمل التطوعي، لكنا نظمنا الجهود وحققنا أثرًا أكبر بكثير."
وختم قائلاً: "نحن لا نريد مكافأة مادية، نريد فقط أن يُسمع صوتنا وأن يُعترف بدورنا الحقيقي. التطوع مش شعار، هو التزام ومسؤولية يومية."
الدكتور غسان البرغوثي: التطوع تغيّر شكله ولم ينتهِ
أما الدكتور غسان البرغوثي، فقدم قراءة أكاديمية معمقة لظاهرة التراجع، موضحًا أن "التطوع لم يختفِ، لكنه تطوّر وأخذ أشكالًا جديدة".
وقال: "جيل التسعينيات كان يعيش تجربة وطنية مختلفة جعلت من التطوع جزءًا من النضال الشعبي، أما جيل اليوم فيرى التطوع ضمن مفاهيم مختلفة – مثل التطوع الرقمي، والمبادرات البيئية، والتعليم الإلكتروني. المشكلة أن مؤسساتنا لم تواكب هذا التحول بعد."
وأضاف أن جامعة بيرزيت تعمل على دمج العمل التطوعي في المنهاج الجامعي من خلال مبادرات تعليمية ومجتمعية، وقال: "نحاول أن نجعل التطوع تجربة تعليمية، حيث يخرج الطالب من قاعة الدرس إلى المجتمع، فيتعلم من الناس ويخدمهم في الوقت نفسه. هذا يربط المعرفة بالواقع ويعمق الإحساس بالمسؤولية."
وأشار البرغوثي إلى أن الجامعات الفلسطينية بحاجة إلى تعاون أكبر مع مؤسسات المجتمع المدني لتطوير برامج تطوعية طويلة الأمد: "عندما يكون للطالب مسار تطوعي واضح، مرتبط بتخصصه ومجاله الأكاديمي، يتحول التطوع من نشاط عابر إلى تجربة مهنية وإنسانية متكاملة".
وتحدث الدكتور البرغوثي عن الدور المحوري للإعلام في إعادة إحياء ثقافة التطوع، موضحًا أن الإعلام الفلسطيني يمتلك القدرة على “تغيير الصورة النمطية للتطوع من كونه عملاً ثانويًا إلى كونه فعلًا وطنيًا وإنسانيًا أساسيًا"، وأشار إلى أن “المبادرات الشبابية الناجحة بحاجة إلى تسليط الضوء الإعلامي الدائم لتصبح مصدر إلهام للآخرين، بدل أن تبقى قصصًا محلية محدودة التأثير”.
ودعا البرغوثي وسائل الإعلام إلى "تبنّي خطاب إيجابي يبرز قصص الشباب في الميدان، ويُظهر أثرهم الحقيقي على المجتمع، لأن التغطية الإعلامية الواعية يمكن أن تكون أكبر محفّز لاستمرار العمل التطوعي وتوسيع دوائره".
وختم حديثه بالقول: "العمل التطوعي ليس فقط خدمة للآخر، بل هو وسيلة لبناء الذات، لتطوير الحس الإنساني والانتماء الوطني. حين ندرك ذلك، يصبح التطوع جزءًا من نمط الحياة لا من المناسبات".