أمي،
أوصيتك ألف مرة:
لا تموتي قبلي،
فإن متِّ، من ينتظرني على الباب؟
من يخبّئ لي الشمس تحت الوسادة؟
من يسأل عني القمر كل ليلة؟
من يداوي هذا القيد، بالدعاء... بالصبر... وبالدمع الذي لا احد يراه،
يا وجعي النازف منذ ثلاثين عامًا،
كل يوم يُضاف إلى عمري في السجن،
يخصم من عمرك في الانتظار،
وأنتِ لا تشتكين.
كلّ ما فيكِ صامتٌ إلا عينيك،
تحملان البلاد والولد،
وتُحاوران الغياب ونجوم السماء،
وجهك صلب كآية ،
ومبشر كاسم الله،
أمي،
أخبري المرض أن يتراجع،
أنك لستِ امرأةً تُقهر،
بل جبلًا تربّى على الكرامة،
أخبريه أن ناصر ما زال ينتظر عناقك،
ما زال يشمّ رائحتك في كفيه،
ما زال يراكِ في حلمه تنادينه: "ارجع، يا روحي... البيت اشتاق".
امي
علمتني كيف اركع للرب دون أن انحني للجلاد،
كيف يكون الصبر وضوء,
والقيود آذانا للصلاة،
امي هل تسمعين غزة من سريرك؟
هناك الطفل لايعرف اسم الموت،
لكنه يحفظه عن ظهر قلب،
يخرجه من الجدران، من النار,
من جلد أمه الممزق ،
هناك،
تموت الحياة واقفة،
وتبقى المعاني تبحث عنك،
عن ام لا تموت،
حين يكتب الله النهاية،
امي ياشامة الكون،
ياصوت المخيم والحجارة،
ارجوك،
لا تموتي،
الدنيا دونك ناقصة،
لا تموتي قبلي،
فإن متِّ، سأموت مرتين،
مرة لأنك رحلتِ،
ومرة لأنني بقيتُ... بلا وطنٍ... بلا أمّ... بلا دعاء.
يا أمّ الشهداء الأحياء،
يا أمّ الصبر النابض في زنازين الضيق،
نسأل الله لكِ الشفاء،
ولقلبك السلام،
ولعيونك الفَرَج الذي طال.
يا زهرة بيت لحم،
يا دعاء فلسطين الصاعد منذ البدء ،
يا ام ناصر،
يا ام الذين لم يعودوا ،
يا ام الذين يعودون يوما،
أخبري المرض أن يتراجع،
ففي صدرك وطن،
وفي دعائك نجاة،
ابقَي لنا،
كي نعود إليك أحياءً،
أحرارًا،
كما وعدنا الله