الشريط الاخباري

التحكيم في فلسطين: بديل قانوني ينتشر بصورة أكبر ويخفف الضغط عن المحاكم

نشر بتاريخ: 12-08-2025 | محليات , أقتصاد
News Main Image

رام الله /PNN/ أكد المحكم المعتمد لدى وزارة العدل الدكتور غسان خالد، أن التحكيم بات يشكل خيارًا قانونيًا فعّالًا ومتناميًا في المجتمع الفلسطيني لحل النزاعات، سواء بين الأفراد أو المؤسسات، في ظل ازدياد الضغط على المحاكم النظامية، ووجود إرادة لدى الأطراف المعنية بتجنب الإجراءات القضائية الطويلة والمعقدة.

وأوضح د. خالد، في حديثه لبرنامج "بدائل" الذي تنتجه شبكة وطن الإعلامية بالشراكة مع وزارة العدل وبدعم من برنامج سواسية المشترك، أن النزاع القائم بين طرفين يمكن أن يُحال إلى التحكيم بموجب اتفاق مسبق ضمن بنود العقد، أو باتفاق لاحق بعد نشوء النزاع. وأشار إلى أن "التحكيم لا يتم إلا برضا الطرفين، وهو ما يميّزه عن القضاء النظامي الذي يُعد الأصل في فضّ الخصومات"، مبينًا أن هناك قانونًا فلسطينيًا خاصًا ينظم إجراءات التحكيم، إلى جانب لائحته التنفيذية الصادرة عن مجلس الوزراء.

اتفاق التحكيم.. أشكال وصيغ
وحول أشكال اتفاق التحكيم، أشار الدكتور خالد إلى وجود نوعين رئيسيين: الأول هو "شرط التحكيم" الذي يُدرج داخل العقد الأصلي قبل نشوء النزاع، والثاني هو "مشارطة التحكيم"التي تُبرم بعد وقوع النزاع. وأوضح أن "الاتفاق اللاحق يجب أن يُفصّل طبيعة النزاع بشكل واضح، وإلا يُعد التحكيم باطلًا"، مضيفًا أن "الفرق بين النوعين شكلي فقط من حيث التوقيت، ولا يؤثر قانونيًا ما دام الاتفاق مستوفيًا للشروط".

كما شدد على أهمية اتفاق التحكيم وصياغته، معتبرًا أن القانون الفلسطيني يمنح الأطراف مرونة في الاكتفاء باتفاق بسيط على المبدأ العام للتحكيم أو صياغة اتفاق تفصيلي يتضمن جميع الجوانب الإجرائية والقانونية، مثل عدد المحكمين، اللغة، مكان الجلسات، القواعد المعتمدة، وغير ذلك.

لماذا يلجأ الناس إلى التحكيم؟
وبحسب د. خالد، فإن اللجوء إلى التحكيم يتزايد لعدة أسباب، أبرزها السرية والخصوصية، خاصة في القضايا التي تنطوي على مصالح مالية أو تجارية، أو نزاعات داخل العائلة. وقال:"التحكيم أحيانًا يكون ملاذًا مريحًا لرجال الأعمال والشركات التي لا ترغب في كشف أسرارها أو تفاصيل خلافاتها أمام المحاكم، وهو مفيد أيضًا في النزاعات العائلية أو القبلية التي تتطلب قدرًا عاليًا من الخصوصية".

وأضاف أن من أهم مزايا التحكيم "إمكانية اختيار المحكّم من قِبل الأطراف، مما يخلق ثقة أكبر"، مشيرًا إلى أن بعض المحكمين يملكون خلفيات فنية أو اجتماعية تجعلهم أكثر فهمًا لطبيعة النزاع، سواء كان محاسبًا أو مهندسًا أو قانونيًا متخصصًا.
نمو واضح للتحكيم في فلسطين

وحول واقع التحكيم في فلسطين، أكد د. خالد أن هناك "توسعًا ملحوظًا" في الاعتماد عليه خلال السنوات الأخيرة. وقال إن "غرف التحكيم الفلسطينية الدولية، التي لم تكن موجودة سابقًا، أصبحت تعمل بنشاط، إلى جانب مؤسسات مرخصة، كما أن عددًا من المحامين والمهندسين والمحاسبين باتوا يمارسون التحكيم بشكل احترافي".

وأوضح أنه أشرف شخصيًا على تدريب العديد من المهنيين في هذا المجال، وأن مؤسسات أكاديمية مثل جامعة النجاح الوطنية ومراكز التعليم المستمر تُنظم دورات تدريبية متخصصة، في إطار تعزيز هذه الثقافة القانونية الحديثة.


شروط قانونية واجبة
وأكد الدكتور خالد أن لصحة اتفاق التحكيم شروطًا لا بد من توفرها، مثل الرضا الصادر عن شخص ذي أهلية قانونية، ووجود محل وسبب مشروعين، إضافة إلى كون التحكيم عملًا من أعمال التصرف، وليس مجرد إدارة أو حفظ، ما يعني أنه لا يجوز لمحامٍ إحالة نزاع إلى التحكيم ما لم يُفوّض بذلك صراحة في وكالته.

ولفت إلى أن السن القانوني للأهلية في فلسطين هو 18 عامًا، لكنه لم يُنص عليه بوضوح في القانون المدني، بل ورد في عدة قوانين خاصة، ما يخلق بعض الإشكالات التطبيقية التي تحتاج إلى تعديل تشريعي لتوحيد المعايير.


النزاعات المحالة للتحكيم
ونوّه إلى أن ليس جميع القضايا يجوز التحكيم فيها، إذ يُمنع التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام مثل قضايا الأحوال الشخصية (الزواج والطلاق)، والمسؤولية الجنائية، والمساس بالسيادة أو القوانين الإلزامية.

كما أشار إلى أن "المحكمة العليا الفلسطينية استقرت على أن النزاعات العمالية لا يجوز التحكيم فيها"، معتبرًا أن القانون الفلسطيني حصَر بعض النزاعات بالقضاء النظامي، ولا يجوز مخالفة ذلك.

تحديات تشريعية واقتراحات تطويرية
وتحدّث الدكتور خالد عن المادة (43) من قانون التحكيم الفلسطيني، والتي تُحدد أسباب الطعن على حكم التحكيم، معتبرًا أن بعض بنودها "تتسم بالهلامية وتفتح المجال للطعن التعسفي، ما يفرغ التحكيم من جوهره كوسيلة سريعة وفعّالة لفض النزاعات".
وأشار إلى أن "المحاكم المختصة بنظر الطعن على حكم التحكيم هي حاليًا محاكم الدرجة الأولى، وهذا خطأ يجب تصحيحه"، مؤكدًا أن "الصواب أن تُحال هذه الطعون إلى محكمة الاستئناف بصفتها محكمة قانون".

ودعا إلى إجراء تعديلات جوهرية في قانون التحكيم الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بتقييد أسباب الطعن، وتوضيح الألفاظ القانونية، وتحقيق الاستقرار التشريعي في هذا المجال الحيوي.


التحكيم نظام قانوني وليس حلاً وسطًا
في ختام اللقاء، شدد د. غسان خالد على أن التحكيم "ليس حلاً وسطًا أو بديلًا عشائريًا"، بل هو "نظام قانوني كامل تحكمه نصوص قانونية ولوائح تنفيذية وقواعد عامة، ويُنفّذ عبر مؤسسات مرخّصة".

وأكد أن "نشر ثقافة التحكيم واجب وطني ومجتمعي"، مشيرًا إلى أن المحكمة تُصدر قرارًا بتصديق حكم التحكيم إذا لم يتعارض مع النظام العام، وتُكسبه الصيغة التنفيذية، مما يجعل التحكيم طريقًا قانونيًا كاملاً لفض النزاعات، يحتاج فقط إلى مزيد من التوعية والتشجيع الرسمي والتشريعي.

شارك هذا الخبر!