تل أبيب -PNN- كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تقرير لها، أن ما لا يقل عن 75% من ضحايا الهجوم الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة ليلة الثلاثاء الماضي كانوا من المدنيين، في تناقض واضح مع مزاعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن انخفاض نسبة المدنيين بين شهداء العدوان الإسرائيلي.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن الجيش الإسرائيلي ووزارة الصحة في غزة، أسفرت الغارات الجوية التي شنّها سلاح الجو عن استشهاد 104 فلسطينيين، بينهم 46 طفلاً و20 امرأة، في حين قال الجيش الإسرائيلي إن 26 فقط من القتلى كانوا مقاتلين ينتمون إلى حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي.
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن الهجوم جاء رداً على مقتل جندي الاحتياط يونا إفرايم فيلدباوم، بعدما أطلق مسلحون فلسطينيون النار على وحدة من سلاح الهندسة القتالية في رفح جنوبي القطاع، مما اعتبره الاحتلال خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار.
وزعم الجيش أن الغارات استهدفت عشرات المقاتلين الرئيسيين ومواقع إنتاج أسلحة ومراكز مراقبة وأنفاقاً ومواقع لإطلاق الصواريخ. غير أن هآرتس تشير إلى أن قائمة الأهداف شملت منازل مدنيين وأماكن مكتظة بالسكان، مما أدى إلى مقتل عائلات بأكملها.
من بين أبرز هذه الهجمات قصف منزلين لعائلة أبو دلال في مخيم النصيرات وسط القطاع، حيث قُتل 18 شخصاً، بينهم 5 نساء وعدد من الأطفال. وقال الجيش إن الهدف كان يحيى أبو دلال، الذي وصفه بأنه نائب قائد فرقة مخيمات وسط غزة التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، إلا أن العائلة ذكرت أن معظم الضحايا مدنيون، ومن بينهم أمين أبو دلال، وهو عامل في منظمة إنسانية، وزوجته وطفلاه التوأم، إضافة إلى والديه وإخوته.
وفي دير البلح، أدى قصف خيمة قرب مستشفى شهداء الأقصى إلى مقتل 5 أشخاص، بينهم 3 أطفال، في حين أودى هجوم آخر بحياة رضيع يبلغ من العمر 41 يوماً.
كما أشارت هآرتس إلى أن من بين المستهدفين محمد منراوي، الذي وصفه الجيش بأنه مسؤول عن "القوات المضادة للدبابات" في شمالي غزة، بينما أفادت مصادر فلسطينية بأنه كان صحفياً يعمل في صحيفة محلية، وقد قُتل مع زوجته داخل خيمته.
ورغم محاولة الجيش الإسرائيلي تبرير الهجمات بأنها ضد "مراكز إرهابية"، فإن الأرقام المعلنة تكشف عن فارق صارخ بين عدد المقاتلين والمدنيين القتلى. فبحسب معطيات وزارة الصحة في غزة، فإن نحو 3 من كل 4 شهداء في الهجوم الأخير مدنيون.
وتقول هآرتس إن هذا التناقض يضعف رواية نتنياهو التي زعم فيها نتنياهو أن نسبة المدنيين إلى المقاتلين في الحرب على غزة لا تتجاوز "1.5 مدني لكل مسلح". وتشير الصحيفة إلى أن هذه النسبة "بعيدة عن الواقع الميداني"، مستشهدة بمعطيات من مراحل سابقة من الحرب.
ففي عملية "عربات جدعون"، على سبيل المثال، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل أكثر من 2100 مقاتل، بينما قالت وزارة الصحة في غزة إن إجمالي الشهداء بلغ 10 آلاف و576 شخصاً، أي بمعدل 5 مدنيين مقابل كل مقاتل.
وتخلص هآرتس إلى أن الفجوة بين الأرقام الرسمية الإسرائيلية والوقائع الميدانية تعكس إشكالية متزايدة في مصداقية الرواية الحكومية بشأن "الضربات الدقيقة"، إذ تظهر البيانات المتوفرة أن الغالبية العظمى من ضحايا الحرب في غزة هم من النساء والأطفال والمدنيين غير المنخرطين في القتال.
بهذا التقرير، تُسقط هآرتس أحد الأعمدة المركزية في الدعاية الإسرائيلية، مؤكدة بالأرقام أن "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" يواصل تنفيذ ضربات تؤدي إلى خسائر بشرية فادحة في صفوف المدنيين، في ظل غياب أي مساءلة حقيقية أو شفافية في تبرير اختيار الأهداف.